خطبة الجمعة القادمة بعنوان : تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية ، للدكتور محمد حرز، بتاريخ 7 رجب 1442هـ ، الموافق 19 فبراير 2021م.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 فبراير 2021م بعنوان : تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية ، للدكتور محمد حرز:
أولاً: حفظ النسل من الكليات الخمس
ثانيًا : تنظيم النسل وضوابطه.
ثالثًا: ماذا يفعل من حُرِمَ نعمة الولد؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 فبراير 2021م كما يلي:
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، ورب الخلائق أجمعين، بهرت عظمته عقول العارفين، وظهرت بدائعه لنواظر المتأملين، سبحانه له مقاليد السماوات والأرض، بيده القبض والبسط والخفض والرفع، نصب الجبال فأرساها، وفجر المياه وأجراها، ورفع السماء وأعلاها وسخر الشمس والقمر دائبين، وجعل الليل والنهار متعاقبين، الملائكة من خشيته مشفقون، والرسل من هيبته خائفون، والجبابرة لعظمته صاغرون، سبحانه له مقاليد السماوات والأرض كل له قانتون
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأشهد أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أرسله ربه للإيمان مناديًا، وللجنة داعيًا، وعن النار محذرًا، وفي مرضاته ساعيًا، وبكل معرف آمرًا، وبكل منكر ناهيًا، فشرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره وجعل الذل والمهانة على مَن خالف أمره. فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلي يوم الدين.
أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)
ثم أما بعد:
” تنظيم النسل قضية أخذ بالأسباب الشرعية “
عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا
عناصر اللقاء :
أولاً: حفظ النسل من الكليات الخمس
ثانيًا : تنظيم النسل وضوابطه.
ثالثًا: ماذا يفعل من حُرِمَ نعمة الولد؟
أولاً :حفظ النسل من الكليات الخمس .
أيها السادة : من المعلوم أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ جاءت بِحفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ
أو الكليات الخمس، وَحَرَّمَتْ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَالُ، وَالْنسل، وَالْعَقْلُ.
فحفظ النسل من الكليات الخمس التي أمرنا الإسلام ونبي الاسلام r بالمحافظة عليها لذا شرع الإسلام الزواج لبقاء النسل، وحرم الزنا محافظة على النسل.
ولقد وردت النصوص من الكتاب والسنة تحث على الزواج لما في ذلك من المصالح العظيمة الدينية والدنيوية، وبقاء النوع الإنساني من أول أهداف الزواج، فالزواج آية ربانية، وسنة نبوية، وضرورة اجتماعية، وسكن للغريزة الجسدية قال ربنا:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21)
وقال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ( (الرعد: 38(
وفي الحديثِ الصحيح يقولُ النَّبيُّ r: “النِّكاحُ من سُنَّتي“، أي: من هَدْيِي وطَريقَتي؛ وممَّا حثَّتْ عليه الشَّريعَةُ، “فمَنْ لم يَعْمَلْ بِسُنَّتي” رغْبَةً وإعْراضًا عنها، وقِلَّةَ مُبالاةٍ بها، “فليس مِني“، أي: فليس على نَهْجِ النبيِّ r، وليس على سُنَّتِه.
بل حث النبيr الشباب على الزواج فعن عبد الله بن مسعود tأن النبي r قال: “يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ”. متفق عليه
وحرم الإسلام الزنا صيانة للأعراض وحفظًا للأنساب قال الله وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء:32]
فالزنا عار يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطئ الرؤوس العالية، ويشرد الأسرة الآمنة، ويسود الوجوه النيرة، ويخرس الألسنة البليغة. يا رب سلم
فالزنا لحظة عابرة، وشهوة عارمة، ونزوة حيوانية بحتة، ولذةٌ تذهب سريعًا، وتضمحلّ عاجلاً، ويبقى العار والخذلان، وغضب الخالق الجبار، عاقبته دمار، وآخرته بوار. بدليل تصايح أهل النار في النار { وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
أيها السادة : إن من أعظم النِّعم التي ينعم الله بها على عِباده نعمة الأولاد، فهم – إذا صلحوا – عملٌ صالح يستمر للأبوين حتى بعد موتهما، فقد قال النَّبي r: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يَدعو له)) أخرجه مسلم (1631( فالأولاد نعمة إلهيه، ومنحة ربانية تتعلق بها قلوب البشر وترجوها، لتأنس بها من الوحشة، وتقوى بها عند الوحدة، وتكون قرة عين لها في الدنيا والآخرة، ولذلك طلبها إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا السلام فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ (الصافات: 100) . وطلبها زكريا ـ عليه السلام ـ من ربه، فقال تعالى: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ (الأنبياء: 89) . وأثنى الله سبحانه وتعالى على عباده الصالحين، فقال جل وعلا عن صات عباد الرحمن ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: 7) .
فالأولاد نعمةٌ إلهيةٌ، وهبةٌ ربانيه، فهم زنية الحياة الدنيا قال ربنا (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ (الكهف: 46)
فلابد من شكر الله جل وعلا على نعمة الأولاد.
إذا كنـت في نعمـة فارعـها فإن الذنـوب تـزيل النعـم
واحفظهـا بطاعة رب العبـاد فرب العـباد سريـع النـقـم
ثانيا : تنظيم النسل وضوابطه الشرعية
أيها السادة :شتان شتان بين تنظيم النسل وبين تحديد النسل!!!!!!!
شتان شتان بين تنظيم النسل وبين منع النسل بالكلية !!!!!
فتنظيم النسل مشروع، وتحديد النسل محرم إلا لضرورة.
تنظيم النسل مباح، ومنع النسل بالكلية محرم إلا لضرورة.
وتنظيم النسل جائز لفعل الصحابة الأخيارy كانوا يعزلون والقرآن ينزل وما نهاهم نبي الإسلام r فلا مانع من ذلك إذا اتفق عليه الزوجان، ولم يضر الزوجة.
وتنظيم النّسل: عبارة عن تنظيم عملية الإنجاب باتباع وسائل معينة بحيث تكون هناك مدة بين مولود وآخر.
ولا تعارض بين الدعوة إلى تنظيم النسل والتوكل على الله، فمنع الحمل مؤقتًا لا يعدو أن يكون أخذًا بالأسباب مع التوكل على الله فهذا شأن المسلم في كل أعماله أرأيت إلى الرسول r حين قال لصاحبه: (اعقلها وتوكل) أي أعقل الناقة واتركها متوكلا على الله في حفظها
فتنظيم النسل مصلحة للأسرة بجميعها أطرافها فلا تمنع الشريعة الإسلامية من التنظيم المؤقت للنسل ما دام سيتم برضا وموافقة الزوجين، لكن لا يجوز فرض هذا التنظيم بقانون ملزم؛ لأنه سيتحول حينها إلى تحديد للنسل، والتحديد محرم شرعًا، بل يجب ترك هذا الأمر لحاجة وظروف الزوجين.
الهدف أيها السادة من تنظيم النسل:
الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع خاصة في ظل الولادة القيصرية، إذا عُرف بتجربة أو إخبار طبيب ثقة؛ لأن الإسلام نهى عن ذلك؛ قال تعالى:( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195) . وقال سبحانه:( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء :29).
– الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى حرج في دينه فيقبل الحرام، ويرتكب المحظور من أجل الأولاد، قال تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185) الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد.
ومن الضرورات المعتبرة شرعًا أيها السادة:
الحرص على تربية الأولاد تربية صحيحة على كتاب الله وسنة رسوله r فهم أمانة يجب تأديتها كما يحبُّ الله جل في علاه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ (التحريم: 6)
فالمرء يا سادة يُسأل عن رعيَّته يوم الدين، فبأي شيء يجيب مَن ضيَّع أولاده؟ وبماذا سينطق مَن خان الأمانة؟ يقول r: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته…، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زَوجها ومسؤولة عن رعيَّتها) متفق عليه
لذا كان إهمال هذه النعمة سببًا لمعاقبته في الأخرة ففي صحيح مسلم من حديث مَعْقِل بْن يَسَار t قال: قال رسول الله r “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ“
ليس اليتيمُ مَن مات أبواه وخلَّـفاه في هَـمِّ الحياةِ ذلـيلا إنَّ اليــتــيمَ الــذي تَـلْــقَى لــه أُمَّاً تَخَلَّتْ أو أَبًا مَشْغُولا
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ
لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………
وبعد
وخلاصة القول أيها السادة: بجواز تنظيم النسل أمر لا تأباه نصوص السنة الشريفة، قياسا على جواز العزل في عهد الرسول r.
ويباح استعمال الوسائل الحديثة لمنع الحمل مؤقتًا، أو تأخيره مدة.
كاستعمال أقراص منع الحمل، أو استعمال اللولب أو غير هذا من الوسائل التي يبقى معها الزوجان صالحين للإنجاب.
فتنظيم النسل لا يكون اعتراضًا ولا تدخلًا في قدر الله تعالى كما يدعي البعض.
ولا تعارض بين التكاثر وتنظيم النسل فالتكاثر هو الزواج والأنجاب والتنظيم يكون تنظيما للإنجاب.
ولا تعارض بين تنظيم النسل وقضية الأرزاق فقضية الرزق محسوبة ومعلومة قال الله ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )(هود:6)
ثالثًا وأخيرًا : ماذا يفعل من حرم نعمة الولد؟
أيها السادة تحدثنا عن النسل وتنظيمه لكن لابد من مراعاة شعور الآخرين الذين لم يرزقهم الله نعمة الولد
أقول لهم: اصبروا واحتسبوا وفوضوا الأمر إلى الله وخذوا بالأسباب المشروعة للإنجاب وليَجْتَهدوا فِي الدعاء لرَبِّهِم جل وعلا أَن يرزقهم الْوَلَدَ الصَّالِحَ، وَمَا ذلك على الله بِعزِيز، فَقَدْ أَصْلَحَ الله جل وعلا الْمَرْأَةَ الْعَقِيمَ الَّتِي لَا تَلِدُ، وَرَزَقَ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي يظن ألا ينجب.
وعليكم بكثرة الاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10-12].
واعلم أن هذا ابتلاء واختبار من الله جل وعلا ( فمن رضى فله الرضا ومن سخط فعليه السخط )
أخي
كُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا *** وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تَكُن مُتَعَرِّضَــــــــــــــــــــــــــا
عباد الله : أكثروا أيها الأخيار من الصلاة والسلام على نبي الإسلام r: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم احفظ أولادنا وأولاد المسلمين من كل سوء وشر، واحفظ مصرنا وجميع بلاد المسلمين ……… اللهم آمين
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف